ربا رباعي - الاردن
رواية "ذاكرة الجسد" للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي تميزت بأسلوب سردي فني مليء بالتفاصيل اللغوية التي تمنحها هويتها الخاصة. في هذه الرواية، نجد أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل هي جزء أساسي من البنية الجمالية للنص، إذ تمتزج فيها الرمزية والواقع بأسلوب شاعرٍ مبدع. تكشف الرواية عن ملامح الهوية اللغوية من خلال جوانب عدة.
1. اللغة الشعرية العالية:
من أبرز ملامح الهوية اللغوية في الرواية هي اللغة الشعرية التي تمتاز بها. تستخدم مستغانمي تراكيب بلاغية وصورًا شعرية تُحرك المشاعر وتُثير العواطف. على سبيل المثال، نجد في النص:
> "أحببتك أكثر مما ينبغي، وفقدتك أكثر مما يحتمل القلب."
هنا، التعبير الشعري يتخلل السرد بعمق، ممّا يعكس الصراع الداخلي للشخصيات.
2. التوظيف الرمزي للغة:
اللغة في الرواية لا تقتصر على نقل المشاعر فقط، بل تستخدم كأداة للرمزية. الجسد، في الرواية، ليس مجرد جسد مادي، بل هو ذاكرة للألم، للوطن، وللتاريخ، حيث يُصبح رمزًا للذاكرة الحية التي لا تُنسى.
> "كان يمكن أن أكتب نهاية أخرى لهذا الحب، لو لم يكن الوطن هو الآخر حبيبي الأول."
3. التداخل بين الفصحى والمحكي:
رغم أن الرواية مكتوبة بالفصحى، إلا أن فيها نبرة جزائرية واضحة، تُظهر التداخل بين الفصحى واللهجة المحكية، مما يضفي عليها هوية محلية. على سبيل المثال، نجد أسلوبًا فصيحًا يحمل في طياته نبرة شعبية جزائرية:
> "ما وجع أن تشتاق لأشياء لم تعد موجودة، لأماكن لم تعد لك، لأزمنة لن تعود؟"
4. الذاتية واللغة الحميمية:
اللغة في "ذاكرة الجسد" تُظهر قربًا شديدًا بين القارئ والشخصيات، خاصة عبر أسلوب السرد الذاتي الذي يعطي للقارئ إحساسًا بمشاركة الهموم والمشاعر الشخصية. هذا الأسلوب يجعل من الرواية بوحًا حميميًا:
> "كنتَ تكتبني إذ كنتَ تكتب، كنتَ تراني في كلّ شيء، حتى صرتَ لا ترى سواي."
5. اللغة كوسيلة مقاومة:
اللغة في الرواية تُصبح أداة مقاومة، حيث تستخدم مستغانمي الكلمات لتُحفظ الذاكرة وتُحارب النسيان. لغة الرواية تعكس سعي الشخصيات لحفظ ذاكرتها وهويتها:
> "أن تكتب هو أن تقاوم النسيان، أن توثّق الخسارات، أن تمنح الحياة لِما مات فيك."
---
البعد النسوي في "ذاكرة الجسد"
رغم أن الرواية تُروى على لسان رجل (خالد)، فإنها تحمل في طياتها رؤية نسوية واضحة:
1. تمركز المرأة كرمز للحرية والجمال:
المرأة في الرواية، ممثلة بـ "حياة"، ليست فقط موضوعًا عاطفيًا، بل هي رمز للحرية، والفن، والتمرّد، حيث تمثل نموذجًا للأنوثة القوية والمستقلة.
> "حياة كانت كالوطن... كلما اقتربتُ منها، شعرتُ أنني أزداد بعدًا عنها."
2. تفكيك صورة المرأة التقليدية:
مستغانمي ترفض أن تُقيد المرأة في صورة الكائن الضعيف أو التابع. "حياة" هي امرأة ذات حضور قوي، مُثقفة، وصاحبة قرار، رغم كونها جزءًا من مجتمع تقليدي.
3. مقاومة التشييء الذكوري:
الرواية تُسلّط الضوء على النظرة الذكورية للمرأة في بعض الأحيان، لكنها في ذات الوقت تفكك هذه النظرة وتنتقدها من خلال أبعاد عميقة.
> "أحببتُ فيها ما لم يكن لي، ما لن يكون لي، ما لا يملكه أحد."
4. الكتابة كفعل تحرّر أنثوي:
الكتابة في الرواية تصبح فعلاً تحرريًا للمرأة، حيث تمنح الكاتبة "حياة" الفرصة لتُعبّر عن نفسها وتُشارك قصتها من خلال عيون رجل، لكن هذه الكتابة تظل صادرة عن روح أنثوية.
---
البعد السردي في "ذاكرة الجسد"
الأسلوب السردي في الرواية يتميز بتركيبة معقدة، حيث تظهر العديد من العناصر السردية المميزة:
1. السرد الذاتي:
الرواية تُروى من خلال ضمير المتكلم، على لسان خالد، مما يضفي على السرد طابعًا داخليًا وتأمليًا. هذا الأسلوب يجعل القارئ يعيش التجربة العاطفية للشخصية عن كثب:
> "كلّما كتبتك، ازددت غموضًا. وكأنك لا تُكتب، بل تُعاش في صمت."
2. التداخل بين الأزمنة:
الرواية لا تسير وفق خط زمني مستقيم، بل يتداخل الماضي والحاضر، ويحدث التنقل بينهما باستخدام تقنية الاسترجاع (الفلاش باك)، مما يعزز الإحساس بالذهنية والتأمل العميق.
3. السرد الرسائلي:
تستخدم الرواية أسلوب الرسائل، حيث تكون بمثابة رسالة طويلة ومستمرة من خالد إلى حياة، ما يجعل النص محملاً بالبوح والاعترافات، ويُضفي عليه طابعًا شخصيًا وحميميًا.
4. الغنائية في السرد:
أسلوب مستغانمي يمزج بين السرد النثري واللغة الشعرية، ما يجعل الرواية أقرب إلى قصيدة طويلة، وتمنحها بعدًا جماليًا.
---
البعد الإنساني في "ذاكرة الجسد"
في "ذاكرة الجسد", نجد أن الرواية تتطرق إلى قضايا إنسانية عميقة تتجاوز الحدود الفردية لتصل إلى المعاناة البشرية المشتركة. هذه القضايا تشمل الحب والفقدان والتجربة الإنسانية المتمثلة في الألم، الشوق، والخيانة، مما يجعل الرواية تحمل طابعًا إنسانيًا عالميًا.
1. الذكريات البشرية المشتركة:
الرواية تركز على العلاقة بين الإنسان وذاكرته، حيث يُمثل الجسد وسيلة لحفظ الذكريات. كل شخصية تتعامل مع الألم والفقدان بطريقة إنسانية شاملة.
> "كنت تكتبني إذ كنت تكتب، كنت تراني في كل شيء، حتى صرت لا ترى سواي."
2. السعي للتفاهم الإنساني:
الرواية تُطرح تساؤلات إنسانية كبرى حول الوجود، مثل معنى الحياة والموت، وتبحث في المعاناة الإنسانية المشتركة عبر الحب والخيانة والفقد.
---
البعد الوطني في "ذاكرة الجسد"
الوطن في "ذاكرة الجسد" ليس مجرد خلفية مكانية، بل هو رمزية تاريخية وثقافية تمتد إلى ذاكرة الأشخاص. الجزائر، كدولة استعمارية سابقة، تُمثل في الرواية الوطن الجريح الذي يحمل في طياته ذاكرة الألم والنضال ضد الاستعمار.
1. الوطن كرمزية للألم والفقدان:
الرواية تُبرز كيف أن الجسد، كذاكرة حية، يحفظ تاريخ الوطن الذي لا يمكن نسيانه:
> "كان يمكن أن أكتب نهاية أخرى لهذا الحب، لو لم يكن الوطن هو الآخر حبيبي الأول."
2. المقاومة والتاريخ الجماعي:
الوطن في الرواية يُصبح رمزًا للمقاومة ضد الاستعمار، ويُظهر الشخصيات التي تقاوم