نضج الحبّ - الناشر المصري

نضج الحبّ - الناشر المصري

بقلم - ربا رباعي - الاردن


حين يُعلِّمنا الغياب كيف نحبّ حقًا


الغياب ليس مجرد انقطاع في الحضور، بل هو تجربة وجدانية تكشف لنا معاني الحبّ الحقيقي، وتدفعنا نحو إعادة اكتشاف ذواتنا ومشاعرنا. في لحظات البعد، ينكشف صدق التعلّق، ويبرز جوهر العلاقات الإنسانية، التي غالبًا ما تختبرها المسافات أكثر مما يفعل القرب.


كما عبّر نزار قباني عن الحبّ العميق الذي لا يتوقف على اللقاء:

"الحبّ لا يقف على الضوء الأخضر.. ولا يهاب الإشارات الحمراء."

فالمشاعر التي تنمو رغم الغياب هي غالبًا الأكثر رسوخًا وصدقًا.


الحنين في الغياب ليس ضعفًا، بل دليل على قوة الارتباط. وقد أشار جبران خليل جبران في كتاب النبي إلى هذا المعنى بقوله:

"الحبّ لا يعطي إلا من ذاته، ولا يأخذ إلا من ذاته.

ولا يملك، ولا يُملَك،

فإذا أحببت فلا تقل: «الله في قلبي»،

بل قل: «أنا في قلب الله»."


وبحسب مقالة منشورة في Psychology Today (2020)، فإن الغياب المؤقت يمكن أن يُعزّز الارتباط العاطفي بين الأحباء، إذ يمنح كلا الطرفين مساحة للتأمل، والتقدير، وتجديد العاطفة من منبع أعمق من اللحظة العابرة.


وذكرت الباحثة Helen Fisher، المتخصصة في علم الحبّ، في دراسة نشرت في The Journal of Neurophysiology (2005)، أن المشاعر الرومانسية لا تتلاشى بالغياب الجسدي، بل يمكن أن تُنشّط نفس مناطق الدماغ المسؤولة عن التعلّق، خاصة عند استذكار الحبيب.


يأتي النضج العاطفي عندما ندرك أن الشوق ليس دائمًا رغبة في الاسترجاع، بل أحيانًا حنين نحو الفهم، والصفح، والتكامل. ولهذا فإن العلاقات الناضجة لا تقف على التفاصيل العابرة، بل تقوم على الثقة والصبر والمسامحة.



---


المراجع والمصادر:


1. Fisher, H. E., Aron, A., Mashek, D., Li, H., & Brown, L. L. (2005). Romantic Love: An fMRI Study of a Neural Mechanism for Mate Choice. The Journal of Neurophysiology, 94(1), 327–337.



2. Psychology Today - "Why Absence Makes the Heart Grow Fonder", published April 2020.

www.psychologytoday.com



3. جبران خليل جبران، النبي، مؤسسة هنداوي.



4. نزار قباني، قصائد حب، دار نوفل للنشر.



5. محمود درويش، أثر الفراشة، رياض الريس للكتب والنشر.

تعليقات