بقلم - ربا رباعي - الاردن
✦ 1. المقدّمة:
تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة نصّ "ليتك لي" للكاتبة لينا ناصر من منظور أسلوبي-بلاغي يتقاطع مع قراءة سيكولوجية وشعورية، حيث تتجلّى الأنوثة بوصفها كيانًا حسيًا ووجوديًا، ينبعث من رماد البرود إلى اشتعال العشق.
النص، وإن بدا في ظاهره غنائيًا وجدانيًا، إلا أنه في جوهره يقدّم تمثيلًا عميقًا لرحلة أنثوية تتراوح بين الإدراك والانصهار، بين الاحتجاج على الحب السابق والتمنّي المستحيل. وتُعتمد في هذه الدراسة منهجية التحليل الأسلوبي القائمة على رصد التراكيب والدلالات والصور، مندمجة مع مقاربة بلاغية شعورية ترصد صوت الأنثى، وتمرّد اللغة، وتحوّل الذات
✦ 2. المنهج:
تعتمد هذه القراءة على الدمج بين:
التحليل الأسلوبي: لدراسة الجمل، الإيقاع، التكرار، التراكيب.
التحليل البلاغي: لاستخراج الصور والتشابيه والاستعارات.
التحليل السيكولوجي: لفهم تحوّلات الذات الأنثوية من الداخل.
منهج عضوي تكاملي: لا يُجزّئ النص بل ينظر إليه ككيان ينبض بالمعنى.
✦ 3. التحليل: قراءة عضوية شاملة
🔹 أ) صوت الأنوثة: من الإدراك الزائف إلى الولادة المتوهّجة
يفتتح النص بجملة:
> "كنت أعرف قلبي، أو كنت أظن أنني أعرفه..."
هذا الاعتراف يحمل مفارقة شعورية، حيث تكتشف المتكلمة أن معرفتها لقلبها كانت وهمًا. الأنوثة هنا ليست طمأنينة، بل اشتباك مع ذات لم تكن مكتشفة. لاحقًا، يتجلّى صوت الأنوثة بصورة أكثر وضوحًا في:
> "أتيت لتلد من رحم برودي، أنوثة صارخة...
ولادة الأنوثة من "رحم البرود" تعبير بلاغي يربط بين العاطفة والجسد، بين التجمد والانفجار، ويمنح الأنثى طاقة جديدة تُولَد لا من رجل، بل من صدمة عشق. هذه الأنوثة ليست نعومة رومانسية بل طاقة بركانية.
🔸 ب) لغة التمرّد: بين الرتابة والرفض
> "كنت أكره الرتابة، وأهرب منها، وتجاهلت رتابة القلب..."
اللغة هنا تهدم الإيقاع التقليدي للحياة العاطفية المستقرة، وتحتج على "الروتين الشعوري". المتكلمة لا تعترف باستقرار القلب، بل تعتبره نوعًا من الموت البطيء.
> "أن كل ما كان يظنه عشقًا ما كان إلا محاولات يائسة لإعادة تأهيل خفقه."
هذا السطر يُعيد تقييم التجارب السابقة ويصفها بأنها مجرد "محاولات"، ما يكشف التمرّد على كل حب لم يكن حقيقيًا. تمرّد ضد العادي، ضد الضعف العاطفي، وضد الخضوع للزمن الشعوري القديم.
🔻 ج) البعد السيكولوجي: الانبعاث العاطفي واكتشاف الذات
تمرّ المتكلمة بتحوّل جذري:
> "ثم أتيت، كالسحر، فتكت بتفاصيلي، جردت روحي من كل ما تعرفه..."
هنا نجد صورة الانسلاخ الكامل من الذات القديمة، وإعادة التكوين عبر "الآخر". هذا ليس عشقًا فقط، بل عملية تفكيك وبناء، تشبه العلاج بالحب.
وتقول:
> "كم آه علي أن أصرخ بها لتعي حجم انصهاري بك."
الصرخة هنا ليست درامية فحسب، بل هي قمة الانصهار النفسي والجسدي. "الآه" اختزال لصراع داخلي يمزج بين اللذة والألم، بين الرغبة والاحتراف
✨ د) الشعرية والبلاغة: بناء التوتر بالعاطفة والصورة
يتميّز النص بتقنيات أسلوبية أبرزها:
التكرار: "أتيت..."، "كم..."، "ليتك لي..." تُخلق بها ذروة شعورية متصاعدة، تؤكد حضور الآخر وتأثيره الطاغي.
الصور الشعرية:
"أنوثة صارخة تنطوي على براكين ثائرة" → استعارة تجمع الأنوثة بالقوة الطبيعية المتفجرة.
"أحبك على لساني يجب أن تحترق" → صورة تجسّد الحب بوصفه نارًا تلتهب في الكلام نفسه.
الإيقاع: النص يعتمد جملًا قصيرة، مكثفة، محمّلة بالشحن العاطفي، ما يخلق إيقاعًا مشحونًا بالألم والرغبة.
✦ 4. الخاتمة:
نص "ليتك لي" ليس مجرد رسالة عشق، بل هو فعل لغويّ وجوديّ يكشف عن رحلة أنثى تعيد تعريف ذاتها عبر الحب، التمرّد، والانكشاف. الأنوثة هنا لا تطلب الامتلاك، بل تُعلن عن ذاتها المكتملة، وتعلن حاجتها القصوى لا للحب، بل لأن يكون الحب "لها".
"ليتك لي" ليست تمنّيًا رومانسيًا، بل صرخة اختناق من الانصهار العميق الذي لا يجد امتلاكًا مقابلاً. وهذا التوتر بين الانبعاث والانكسار يمنح النص قوته الشعرية ومضمونه السيكولوجي العميق.
✦ المراجع (اختياري لإعداد النص الأكاديمي للنشر):
> المصادر النظرية: يمكن الإشارة إلى دراسات عن الأسلوبية، مثل محمد عبد المطلب، وجون كوهين.
المرجع الشعري: النص الأصلي لـ "ليتك لي" – لينا ناصر.