معاناة المرأة بعد الولادة.. رحلة الألم والصبر والبحث عن الذات - الناشر المصري

معاناة المرأة بعد الولادة.. رحلة الألم والصبر والبحث عن الذات - الناشر المصري

بقلم الدكتورة / هدير محمود فايد - اخصائي إرشاد أسري ونفسي

المقدمة....

لا يُمكن اختزال تجربة الولادة في لحظة خروج الطفل إلى الحياة، فالحقيقة التي تُخفيها الابتسامات الأولى وصور المولود الجديد، هي أن المرأة تبدأ بعد الولادة رحلة شاقة مليئة بالتحديات الجسدية والنفسية والاجتماعية، ربما لا يشعر بها إلا من خاضها.


جسدٌ أنهكته الولادة.. ولا وقت للراحة


بعد الولادة، سواء كانت طبيعية أو قيصرية، يُصبح جسد المرأة وكأنه خرج من معركة طويلة. آلام الجرح، سواء في موضع الولادة أو الشقوق التناسلية، آلام الظهر، انتفاخ البطن، سقوط الشعر، تغيّرات الوزن، واضطرابات الهرمونات، كلها أعراض تنهش جسدها يوميًا، في وقتٍ تُطالب فيه بالاهتمام بالمولود الجديد وكأنها في كامل عافيتها.


تُحرم كثير من النساء من الراحة الكافية، خصوصًا مع مسؤوليات البيت أو وجود أطفال آخرين، أو في غياب الدعم من الزوج أو الأهل، ما يزيد الأمر سوءًا.


الصحة النفسية.. الجرح غير المرئي


أخطر ما تعانيه المرأة بعد الولادة هو ما لا يُرى بالعين، اضطرابات نفسية قد تبدأ ببكاء متكرر، شعور بالحزن، قلق مفرط، ثم تتحول إلى اكتئاب ما بعد الولادة، وهو حالة خطيرة قد تُهدد استقرار الأسرة وسلامة الطفل.


تشعر كثير من الأمهات بأنهن وحيدات، مهمشات، فاقدات للهوية، ويواجهن صراعًا داخليًا بين الأمومة وحاجتهن للاهتمام بأنفسهن.


ضغوط المجتمع.. نظرات تحكم وأحكام جاهزة


لا تقتصر المعاناة على الجانب الصحي فقط، بل تمتد لنظرات المجتمع الذي يُحمّل المرأة كامل المسؤولية عن كل شيء، من رضاعة الطفل، إلى وزنه، إلى نومه، إلى حالتها النفسية، وكأنها آلة لا يُسمح لها بالتعب أو الخطأ.


كثير من النساء يتعرضن للانتقاد بسبب زيادة الوزن، أو عدم استعادة شكلهن السابق بسرعة، أو تراجع رغبتهن الجنسية، دون أدنى اعتبار لما مررن به من تغيّرات جسدية ونفسية ضخمة.


متى ينتهي هذا الألم؟


لا يوجد وقت محدد لانتهاء معاناة المرأة بعد الولادة، فهي تختلف من امرأة لأخرى، لكن ما تحتاجه كل أم هو:


✔️ الدعم النفسي من الزوج والأهل.

✔️ الحصول على قسط كافٍ من الراحة والنوم.

✔️ التغذية الصحية والتدرج في ممارسة الرياضة.

✔️ زيارة الطبيب لمتابعة الحالة الجسدية والنفسية.

✔️ التوعية بأن الأمومة رحلة شاقة، لكنها لا تعني إهمال النفس.


كلمة أخيرة..


لكل امرأة تخوض معركة ما بعد الولادة، أنتِ قوية، وصبرك ليس ضعفًا بل بطولة، ومن حقكِ أن تُعبّري عن ألمكِ، أن تطلبي المساعدة، أن تُعيدي اكتشاف نفسكِ في هذه المرحلة الجديدة.


رحلة الأمومة ليست سهلة، لكنها تستحق، ومع الدعم والحب، يمكن تحويل الألم إلى قوة، والدموع إلى دروس، والأمومة إلى بداية جديدة للمرأة، لا إلى نهايتها. 

تعليقات