بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إن حياةً خلت من وجودِ الحبِّ ، وانتفاءِ عطره الفوّاح الذي كان ينتشرُ شذاه فيجعلُ من مُرّها حلواً ، وكدرها صفواً ، ووحشتها أنساً ، لهي حياةٌ لا خيرَ فيها . ومما يعتصرُ له القلبُ ألماً جفافُ ينابيع الحبِّ واختفاؤه من العلاقات التي تربطُ بين الناس ، فالناظرُ إلى علاقات الأصدقاء مثلاً يجدُ أنهم استعاضوا بالمصلحة والنفعية عن الحبِّ ؛ لذا أصبحت علاقاتهم هشّةً ضعيفةً أوهى من بيتِ العنكبوت ، بقاؤها مرهونٌ بانتهاءِ المصلحة ما إن تنتهي حتى يتنتاب العلاقةَ البرودُ والتكلفُ الذي يُجدّدُ من حينٍ لآخر ترقباً لمصلحةٍ جديدة .
وأما علاقةُ الأزواجِ بزوجاتهم فقتلها البرودُ واللامبالاة ، والروتين اليومي ، وتوقفُ ماءِ الحبِّ عن الجريان حتى أسنت المعيشةُ ، وانتفت منها المودةُ والرحمة ، واُفتقدُ فيها الأنسُ النفسي أولُ مقاصدِ الزواج وأولاها ففقدت الحياةُ طعمها ، وغاب عنها الشعورُ بالأمان .
وإذا ماجئنا إلى علاقات الناس بعضهم ببعض في التعاملاتِ اليوميةِ تجدُ ما تشمئزُ منه النفوسُ الصافيةُ ، والأرواحُ الزاكيةُ إذ تفشت بينهم المداراةُ والنفاقُ ، وأكلُ لحومِ بعضهم بعضاً ، فلا يجتمعون - إلا من رحم ربي - إلا للغيبةِ ، ولا يتحركون إلا للنميمة ، تقطعت أواصرهم ، وغاب عنهم التراحمُ ، واستشرت بينهم الخلافات التي لا تبقي ولا تذر شيئاً من روابط الألفةِ والمودّة .
وأما علاقة الأبناء بآبائهم فاُستبدل فيها العقوقُ بالبرِّ ، والإساءةِ بالإحسان ، وتناسى الأبناءُ وصيةَ ربهم لهم بقوله - عزَّ من قائلٍ - : { ... واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً } سورة الإسراء آية - ٢٤واستعلت الفروعُ على الأصول ، وأُوثر رضا الزوجات على رضا الآباء والأمهات ، فيتوضأ الشقيُّ بدموع أمه ليركع في محرابِ امرأةٍ لا ترقبُ فيه ولا في آبائه إلاًّ ولا ذمةً .
وأما علاقةُ المعلمين بالمتعلمين فتهدمت أركانها وأساسُ قيامها فانتفى الاحترامُ من قِبلِ الطلاب تجاه معلميهم الذين أُلقيت على عواتقهم مسئوليةُ التعليمِ والتهذيبِ ، واُفتقد الإخلاصُ والتوجيه من قِبل المعلمين - لله درّهم - الذين أنزلتهم الحاجةُ من عليائهم للهثِ وراء لقمةِ العيشِ ، وتوفير احتياجاتهم ، واحتياجاتِ من يعولونهم ، الأمرُ الذي جعلهم عُرضةً للابتذالِ والسقوطِ من عيونِ من يجلّونهم ويحترمونهم .
والسؤال الآن : ما هي الأسبابُ الكامنةُ وراء ذلك ؟
ألضعفُ الإيمان في قلوب معتنقيه ، وخبوت جذوته في نفوسهم ؟ أم لرداءة النفوسِ ، وخبثِ الأرواح ؟ أم لكثرةِ الضغوط الحياتية التي أنهكت قوى الناس ، وأضعفت مناعتهم ؟
أم لتربيتهم وما نشأوا عليه ؟ أم لكلِ هذه الأسبابِ مجتمعةً ؟ أجيبوني يرحمكم الله .