بقلم: الدكتورة /هدير محمود فايد - أخصائية تربية خاصة وإرشاد أسري ونفسي.
لم يعد الإنترنت وسيلة ترفيه أو تعليم فقط، بل تحول – مع الأسف – إلى فخ قاتل يصطاد أطفالنا كل يوم في صمت. ففي الوقت الذي نعتقد فيه أننا نوفر لهم بيئة عصرية متطورة، نكتشف أن شباك الإنترنت قد التفت حول عقولهم وأرواحهم، لتسحبهم بعيدًا عن براءتهم، وأمانهم، وتوازنهم النفسي والاجتماعي.
الطفل لم يعد طفلًا!
ألعاب إلكترونية مليئة بالعنف، فيديوهات تروّج لأفكار مدمّرة، منصات تسمح بالتنمر، وأخرى تفتح أبوابًا لمواقع غير آمنة. كل هذا يصل إلى أيدي أطفالنا بلمسة إصبع، في غياب رقابة حقيقية أو وعي كافٍ بخطورة الموقف. الطفل الذي كان بالأمس يلعب بالصلصال أو يقرأ قصة، أصبح اليوم أسير شاشة تبرمج دماغه على الإدمان، وتفكيره على اللامبالاة.
أرقام تصرخ بالخطر:
حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، أكثر من 80% من الأطفال بين سن 8 و16 عامًا يقضون أكثر من 6 ساعات يوميًا على الإنترنت.
في دراسة حديثة نُشرت في مجلة JAMA Pediatrics، تم رصد علاقة مباشرة بين زيادة استخدام الإنترنت والإصابة بالاكتئاب واضطرابات القلق عند الأطفال.
منظمة اليونيسيف أفادت أن حوالي 1 من كل 3 أطفال يتعرضون للتحرش أو التنمر الإلكتروني.
أما تقرير الجمعية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) فيحذر من أن الاستخدام الزائد للشاشات يؤثر سلبًا على نمو الدماغ والمهارات الاجتماعية والانفعالية للطفل.
في مصر، أشارت إحصائية صادرة عن المجلس القومي للأمومة والطفولة أن 53% من الأطفال يستخدمون الإنترنت دون رقابة من الأهل.
الانهيار النفسي قادم
تشير التقارير النفسية إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب، القلق، واضطرابات النوم بين الأطفال والمراهقين. ألعاب مثل "الحوت الأزرق" و"تحدي مومو" خلفت ضحايا بين الأطفال حول العالم، وبعضهم فقد حياته بسبب "لعبة".
من المسؤول؟
نحن الكبار – للأسف – جزء كبير من المشكلة. نمنح أطفالنا الأجهزة الذكية كنوع من "إسكات الصوت"، ونهرب من مسؤولية التواصل الحقيقي معهم. نتركهم يواجهون هذا العالم الافتراضي الخطير دون درع من التوجيه، أو وعي، أو متابعة.
الحل ليس في المنع بل في الوعي
نحن لا ندعو إلى إلغاء الإنترنت من حياة أطفالنا، بل نطالب بإعادة توجيه استخدامه. نحتاج إلى تربية رقمية واعية، تضع حدودًا وتُفعّل الرقابة، وتختار المحتوى المناسب، وتشجع الطفل على التوازن بين العالم الرقمي والحياة الواقعية.
وأخيرًا...
الإنترنت قد يكون أداة ذهبية أو سُم قاتل... والقرار بأيدينا نحن الكبار. لنحمي أطفالنا قبل فوات الأوان .