بقلم - رپا رباعي
كلما همست الريح باسمك
ارتجف قلبي كغصن عتيق على أطراف الخريف.
ليلك لم يعد مجرد وقت…
بل دهليز من الذكرى،
أمشيه حافياً بأشواك الغياب،
وأعود منه مثقلاً بصدى صوتك.
أمسكت قلمي…
ظننته سيكتبك،
فنزفني بدلاً عنك.
كل حرفٍ رسم وجهك،
كل سطرٍ تنفس أنفاسي حين كنتِ هنا…
حين كنتِ كل الوطن،
وكل الغربة حين غبتي.
الرسائل لا تصل،
لكنها لا تموت.
تبقى على عتبة الانتظار
كما بقيتُ…
أُقلّب الوجع بين يدي
كمن يُقلّب جمراً عاش فيه.
أيتها الغائبة…
كلما أخبروني أن الوقت دواء،
ابتسمتُ...
فالوقت لم يعرفك،
ولم يعش حبك،
ولا عرف كيف يكون الرحيل موتاً بلا نعش.
سيدتي،
أنا لست شاعراً
لكن كل هذا الكون يكتبك على جدران قلبي.
أنا لست حكيماً
لكنني أفهم أن بعض الحنين لا يُشفى،
وبعض الغياب لا يُعوّض،
وبعض القلوب... لا تنسى
أيتها الراحلة حضورًا… المقيمة غيابًا،
لا الليل يشبهك
ولا الصمت يفسر هذا الفراغ الممتد في صدري.
أجلس وحدي
أحادث طيفك
وأحاول أن أزرع صوتك بين ضلوعي
كأنك لم ترحلي،
كأنك بين الحرف والآخر… لا تزالين.
هل تدرين؟
كلما ابتعدتِ
اقتربتِ أكثر،
كأن البعد لا يعرف كيف يكون بيننا،
وكأن الحنين أقوى من كل مسافات الأرض.
أكتبكِ كما تُكتب الأمنيات
وأقرؤكِ كما يُقرأ الدعاء في الليالي الباردة،
أرتّب تفاصيلك في ذاكرتي
خشية أن أنساكِ في زحمة الحنين،
أو تذوب ملامحك بين وجوه الغادين والرائحين.
لم يبقَ لي منكِ إلا صدى
إلا ظلّكِ حين كانت الشمس تشرق في عينيكِ،
لم يبقَ لي سوى
رسائل بلا عنوان
وصمتٌ طويل يُشبه البكاء دون دموع.
لكنني…
سأظل أكتب.
ليس لأجلك فقط
بل لأجلي،
لأبقيكِ حيّة في قصيدتي،
أبقيكِ دفئاً في شتائي،
ونبضًا في قلبي…
حنينًا لا يشيخ،
ولا ينسى
أراكِ في انعكاس الماء
في صمت الغيم
في رعشة الضوء عند الفجر…
أراكِ حين لا أراكِ،
وتسكنينني حين يرحل الجميع.
كنت أكتبكِ
في كل فجوة فراغ
في كل غيمة لا تمطر
في كل شتاء بلا دفء.
كنتِ المعنى لكل فوضاي
والنظام الوحيد في ازدحام قلبي.
أتعلمين؟
لم أعد أنتظر الرسائل
فكل رسالة تأخرت كانت أنتِ
وكل كلمة ضاعت كانت فيكِ.
صرتُ أخاف المساء
وأتجنّب الطرق التي مشيناها معاً
وأخشى الأماكن التي حفظت ضحكتك…
لماذا كل ما حولي يشهدك
وأنتِ بعيدة حدّ النسيان،
بعيدة كحلمٍ نسي الطريق؟
إنهم لا يفهمون…
أن بعض القلوب لا تُشفى من نبضٍ لم يكتمل،
وأن بعض الغياب
ليس غيابًا، بل حياة أخرى
نحياها دون أن نشعر أننا أحياء.
سأبقى أكتبكِ
حتى لو نفد الحبر
حتى لو جفّت الكلمات
فحنيني لكِ…
أبدي.