بقلمي - ربا رباعي
يُعدّ شعر الصعاليك ظاهرة فريدة في الشعر الجاهلي، لما يحمله من مضامين اجتماعية وإنسانية، ولما يمتاز به من لغة مباشرة تميل إلى الخطاب النثري، مما يجعله تجربة شعرية تخرج عن المألوف في زمانها. وقد استطاع شعراء الصعاليك، ومنهم الشنفرى، وتأبط شرًا، وعروة بن الورد، أن يصوغوا خطابًا شعريًا يحمل ملامح النثر في طابعه البلاغي وأدواته التعبيرية، بما يعكس واقعهم المهمّش، وتمردهم على القيم القبلية السائدة.
أولًا: طبيعة الخطاب النثري في شعر الصعاليك
يميل شعر الصعاليك إلى الأسلوب الخطابي القريب من النثر، إذ نلاحظ توجّههم إلى المتلقي بلغة مباشرة، تخلو من الزخرفة البلاغية المفرطة، وتعتمد على التقريرية والوضوح. فهم لا يسعون إلى التجميل البياني بقدر ما يسعون إلى الإقناع والتأثير، وهذا ما يجعل لغتهم أقرب إلى لغة الخطب والرسائل، منها إلى لغة المعلقات الفخمة.
ثانيًا: عناصر البلاغة النثرية في خطابهم
1. الوضوح والبساطة: يتجنب الصعاليك الغموض والتعقيد، لأنهم يخاطبون جمهورًا عامًا، ويعبرون عن قضايا إنسانية ملموسة، مثل الفقر، والظلم، والمساواة.
2. الطابع الحجاجي: يتضمن شعرهم استدلالًا عقليًا ونفسيًا لإقناع القارئ بعدالة قضيتهم، كما في قول عروة بن الورد:
> "أقِيمُوا بني أمي صدورَ مَطِيِّكمْ **فإني إلى قومٍ سِواكمْ لأميَلُ"
فهنا نلحظ توجيهًا مباشرًا، يحمل عتابًا وإقناعًا.
3. أساليب الخطاب النثري: ككثرة استخدام أدوات النداء، والاستفهام، والتكرار، والتوكيد، مما يُضفي على النص بعدًا خطابيًا قويًا.
ثالثًا: واقعية التجربة وأثرها في الأسلوب
لم يكن شعر الصعاليك ترفًا فنيًا، بل كان نتاجًا لواقع قاسٍ من الفقر والتشرد والرفض الاجتماعي، لذلك جاء أسلوبهم صادقًا وواقعيًا، يبتعد عن الخيال، ويقترب من تصوير الحياة اليومية. وهذه الواقعية عززت من النبرة النثرية في شعرهم، حيث أصبح التعبير عن الموقف أكثر أهمية من الشكل الفني للقصيدة.
رابعًا: الوظيفة الاجتماعية للخطاب
يُعدّ الخطاب الشعري لدى الصعاليك وسيلة للدفاع عن الذات، والتعبير عن الهوية، ومخاطبة المجتمع بقيم جديدة، مثل العدل والتكافل والحرية. وهذه الوظيفة تجعل شعرهم شبيهًا بالبيان النثري الذي يهدف إلى تغيير الواقع، لا مجرد التغني به.
خاتمة
إن بلاغة الخطاب النثري في شعر الصعاليك تكشف عن وعي شعري متقدم، استطاع أن يوظف أدوات النثر البلاغية داخل النص الشعري، ليخلق أسلوبًا خاصًا يعبر عن فئة مهمشة بأسلوب مؤثر وفعال. ولعل هذا ما يجعل شعرهم قريبًا من روح الإنسان في كل زمان، بما يحمله من صدق، وتمرد، ودعوة للتغيير