روابط الفكر والروح في قصيدة النثر - الناشر المصري

روابط الفكر والروح في قصيدة النثر - الناشر المصري

بقلم - ربا رباعي - الاردن


و تُعد هذه السمه من أهم السمات التي تميز هذا النوع الأدبي عن غيره من الأشكال الشعرية التقليدية. إذ تتداخل فيها أبعاد الفكر والتجربة الروحية ضمن بنية لغوية حرّة، غير خاضعة للوزن أو القافية. 

1. التوتر بين الفكر والتجربة الروحية


قصيدة النثر غالبًا ما تُكتب بدافع التأمل، حيث يحضر الوعي الفردي كثقل معرفي وروحي. الفكر فيها لا يأتي كوعظ أو تقرير، بل كإشراق داخلي يتقاطع مع الحدس والتجربة الوجودية. هذا التوتر يُنتج لغة مكثفة، متعددة الدلالات، وأحيانًا غامضة، لكنها مشبعة بالعمق.


مثال: أنسي الحاج، في "الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع"، يخلط التأمل العقلي بنشوة صوفية تجعل الفكر مجرّد خادم لحركة الروح.




2. اللغة كجسر بين الفكر والروح


اللغة في قصيدة النثر تتحرّر من البلاغة التقليدية، لكنها تحتفظ بقوة الإيحاء والرمزية. وهي لغة تتجه نحو الداخل أكثر من الخارج، حيث تصبح الكلمات أشبه بـ"نوافذ على الروح"، تعبّر عن انفعالات لا يمكن قولها إلا عبر الانزياح والانكسار.


الفكر يظهر في شكل أسئلة وجودية، أو تأملات حول الموت، الحب، الزمن.


الروح تُفصح عن نفسها عبر الصور الشعرية المشحونة بالعاطفة، والفراغ، والحنين، والانخطاف.


3. الموضوعات كوسيط روحي-فكري


من أبرز موضوعات قصيدة النثر:


الاغتراب: تجربة فكرية وجودية وروحية في آن.


الزمن: لا يُتناول كخيط زمني فقط، بل كهاجس روحي محمّل بالفقد والانتظار.


الحب: ليس غرضًا رومانسيًا، بل وسيلة لاختراق الظاهر نحو الباطن.


الذات: ليست مركزًا عقلانيًا، بل كينونة تتشظى بين الفكر والتجربة.



4. البُعد الصوفي والعقلي


بعض شعراء النثر المعاصرين يوظفون الإرث الصوفي (ابن عربي، الحلاج، النفري) بأسلوب حداثي، حيث تتلاقى المعرفة العرفانية والمعرفة العقلية في نصوص ذات بناء حر، لكنها عميقة دلاليًا.



أمثلة شعراء وظفوا هذه الروابط:


أنسي الحاج: المزج بين الفكر الفلسفي والروح المتمردة.


أدونيس: تقاطعات واضحة بين الميتافيزيقا والتاريخ والفكر.


بول شاوول: الحسية كمدخل روحي وفكري.


محمد بنيس: اللغة كتجربة وجودية تتوسّط بين العقل والروح.



خلاصة


روابط الفكر والروح في قصيدة النثر ليست توازناً بين قطبين، بل تفاعلاً ديناميكياً يخلق شكلاً شعريًا متحررًا، لا يُعنى بالشكل بقدر ما ينغمس في تجربة الوعي والكينونة. إنها قصيدة تتجه نحو ما لا يُقال، حيث يُصبح الشعر فعلاً معرفيًا وتأمليًا وروحيًا في آن.

تعليقات